الأحد 8 يونيو 2014
عدد التعليقات : 6

شروط المحكم

      إن تعيين المحكم يتطلب توافر مجموعة من شروط المحكم القانونية والاتفاقية لديه حتى يكون من الممكن تعيينه كمحكم في النزاع المنوي نظره عن طريق التحكيم، ذلك أنه يقوم بحسب وجهة نظرنا بوظيفة قضائية [1] – حتى في ظل اختلاف هذه الوظيفة عن القضاء في عدة مسائل إلا أن مناط الفصل بنزاع يجمع بينهما- ليس من السهل إناطتها بأي شخص قد لا تتوافر فيه الصفات الكافية اللازمة للقيام بأعباء هذه المهمة التحكيمية.

ونجد أن هذه الشروط منها ما هي شروط قانونية تطلبها المشرع ومنها ما تفرضه الطبيعة القضائية للتحكيم ومنها ما هو اتفاقي يكون للأطراف حق تقديره والتعامل معه. فنجد أن قانون التحكيم الأردني وفي المادة  15 منه[2] قد نص على شروط قانونية ينبغي توافرها لدى المحكم وهي بحسب الفقرة (أ) من النص ” لا يجوز أن يكون المحكم قاصراً أو محجوراً عليه أو محروماً من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه بجناية أو بجنحة مخلة بالشرف أو بسبب شهر إفلاسه ولو رد إليه اعتباره.”

فنجد أن المشرع في هذه الفقرة قد وضع شروطاً في شخص المحكم ابتداءً بغض النظر عن شخصيته. وما هذه الشروط إلا المسائل التي تؤثر في أهلية التصرف لأي شخص. مما يعني فقدانه لمُكنة التصرف التي تجعله قادراً على القيام بالإجراءات وإصدار القرار التحكيمي، حيث أن من لا يملك التصرف بحقوق نفسه فإنه من باب أولى لا يملك التصرف بحقوق الغير.

وهذه النقطة في الواقع العملي تكاد تكون غير ذات إثبات، نظراً لعدة أسباب أولها أن الخصوم في الأغلب يعرفون المحكم الذي ينتوون انتخابه مما يجعلهم قطعاً يختارون شخصا كامل الأهلية، ولكن فإنه أيضاً من غير المتصور أن يطلب الأطراف من المحكم تقديم شهادة عدم محكومية تفيد بأنه غير محكوم بجناية أو جنحة مخلة بالشرف أو كان سبق و أن أُشهر إفلاسه، لأنه قد يفهم من هذا التصرف بأنه تصرف غير لائق يحمل في مضمونه تشكيكاً بشخص المحكم وهذا مجرد اعتبار إجتماعي و عملي، مع أن هذا الشرط على قدر عالٍ من الأهمية. ويمكن أن نقول بوضوح أنه إذا تبين اختلال أهلية المحكم في مثل هذه المسائل فإن ذلك يرتب بطلان حكم التحكيم لوجود خللٍ في تشكيل هيئة التحكيم.

ويمكن لنا أن نستشف من تطلّب توافر الأهلية بهذه الصورة في المحكم يعني بالضرورة أن المحكم يجب ان يكون شخصاً طبيعياً، أما ما يخص مسألة التحكيم المؤسسي فإن مؤسسة التحكيم هي التي تتولى الإشراف على سير الخصومة التحكيمية وإدارتها دون المساس بموضوع النزاع، حيث يتولى مهمة التحكيم أشخاص طبيعيين من الأعضاء في المؤسسة التحكيمية أو حتى من خارجها طالما تولت هذه المؤسسة تعيينهم[3].

أما فيما يخص مسألة الشروط التي تفرضها الطبيعة القضائية للتحكيم فعلى رأسها انتفاء أي مصلحة للمحكم في النزاع، وهذا الشرط ذو أسباب واضحة في الدلالة عليه من ناحية عدم جواز أن يكون الشخص خصماً وحكما في آنٍ واحد. ثم يأتي شرط آخر فائق الأهمية تفرضه من وجهة نظرنا الطبيعة القضائية للتحكيم وهو الاستقلال عن أطراف النزاع، وهذا الشرط مع الشرط السابق هما جوهر ومدار البحث في شروط المحكم.

أما الشروط الاتفاقية فهي متروكة لتقدير الطرفين حيث ان لهما أن يشترطا في المحكمين الشروط التي يرغبون بها، ونجد أن المشرع الأردني على سبيل المثال قد دلل بطريقة عكسية على هذه الحرية حيث أن المادة 15/ب قد نصت على أنه لا يشترط في المحكم أن يكون من جنس او جنسية محددة، إلا إذا اتفق الطرفان أو نص القانون على غير ذلك. فلا مانع من أن يكون المحكم من نفس جنسية المحتكمين أو جنسية أحدهم أو حتى من جنسية تختلف عن كل جنسياتهم، وكذلك  الحال فلا فرق بين أن يكون المحكم ذكرا أو  أنثى – مع أن بعض التشريعات تشترط ان يكون ذكرا كنظام التحكيم السعودي-. ولعل هذا النص على عدم الاشتراط يوحي بإمكانية الاختيار، حيث أنه يجوز للأطراف مثلا أن يتفقوا على أن يكون المحكم مهندسا أو محاميا، أو أن يشترطوا فيه خبرة محددة في مجال موضوع النزاع أو غير ذلك من الشروط.

ولعلنا يجب أن نتحدث عن هذه المادة بشيء من الإسهاب، نظراً للنتائج الخطيرة التي تنضوي تحت مضمون هذا النص، فلقد تناول المشرع الأردني في نص هذه المادة بعض شروط وصفات المحكم، حيث أشار في الفقرة الأولى إلى صفات لا ينبغي أن تتوافر في المحكم، وفي الفقرة الثانية أشار إلى صفات اختيارية في المحكم، وفي الفقرة الأخيرة وضع بعض الشروط الخاصة والشروط الشخصية لصحة تعيين المحكم.

فنجد أن الفقرة الاولى من المادة تتطلب شروطاً فيمن يتم اختياره كمحكّم هي ذاتها شروط الأهلية المدنيّة في التصرف والأداء، وأضاف لها في نهاية المادة مانعاً خاصاً يتعلق بمن يكون محروماً من حقوقه بسبب جنحة أو جناية مخلة بالشرف أو بسبب شهر الإفلاس، حتى ولو رُد إليه اعتباره لأسباب رد الإعتبار التي يحددها القانون، ولعل السبب في ذلك هو أن التحكيم وظيفة قضائية ينبغي فيمن يتولاها أن يكون منزّهاً عن أي مسألة تقدح في عدالته، وإن ردّ الإعتبار لا يُعيد للشخص هيبته وعدالته أمام الغير في هذا الشأن. وفي هذا مراعاة من المشرع لطبيعة وحساسية الدور الذي يقوم به المحكم.

أما الفقرة الثانية من نصّ هذه المادة فهي تترك الباب مُشرّعاً أمام الاطراف لاختيار محكمهم طالما تم تجنّب الموانع الواردة في الفقرة الأولى من النص، ويستوي في الاختيار كمحكم الذكر والأنثى ولا فرق أو شروط في تحديد ذلك، وذات الأمر يُقال بخصوص جنسيّة المحكم وخصوصاً حين نعلم أن الكثير ممن يلجأون إلى التحكيم يكون أحدهم أجنبيّاً، بل قد يكون أطراف العلاقة أجانب ويتم التحكيم فيما بينهم في المملكة، فلم يشترط المشرع الاردني أن يكون المحكم أردنياً في حين نجد أنه لا يتولى القضاء في المملكة إلا أردني، وفي هذه المسألة مراعة لخصوصية التحكيم، كون الاطراف قد يتولد في أذهانهم القلق من كون المحكم من جنسية غير جنسيّتهم أو حتى من نفس جنسيّة الخصم، ورعايةً لهذه المسألة ولتحقيق قد أكبر من الاطمئنان في نفوس المحتكمين أجاز المشرع للأطراف الإتفاق على أن يكون المحكم من جنسيّة أو جنسيّات يتفقون عليها. ولعله من المفيد ومما يساعد على اكتمال صورة المشهد أن نُشير إلى أن بعض التشريعات والاتفاقيات الخاصة بالتحكيم تشترط صراحةً أن لا يكون المحكّم من جنسيّة مماثلة لجنسيّة أحد المحتكمين، ضماناً من عدم تأثُّر المحكم بجنسيّته بصورة تمسّ حياده و/أو استقلاله.

أما الفقرة الثالثة من نص هذه المادة، فنجد فيها أن المشرع الأردني وفي مطلعها، قد أشار بشكلٍ صريح بأن قبول المحكم لمهمّة التحكيم يكون بالكتابة. وبذلك يكون قد أخرج من نطاق هذا القبول القبول الشفاهي بل حتى القبول الضمني، حيث أننا وفي هذا الصدد لانتفق مع من يقول بأن قبول المهمة التحكيمية قد يكون ضمنياً، كأن يقوم المحكم بمباشرة أعمال تدخل في مهمته كمحكم. والسبب أن القول برأي كهذا يعني أن ننسف الغاية من اشتراط المشرع بأن يكون هذا القبول كتابةً، حيث أن الغاية ليست فقط إظهارهذا القبول للأطراف، بل إن هناك مسائل أخرى ذات أهمية كبيرة تتأثر بمثل هذا القبول، من أهمها أن يتضمن هذا القبول المكتوب إفصاح المحكم عن الشؤون التي قد تثير شكاً حول حيدته واستقلاله. أما القبول الشفاهي فهو لا يُلبي الغاية من اشتراط قبول المحكم لمهمته كتابة، لذات الأسباب التي سبق طرحها في القبول الضمني. كل هذا من جانب منطقي حول عدم صلاحية القبول الشفاهي أو الضمني لمهمة التحكيم ، أما حين نعود للنص فنجد أنه صريح بوجوب أن يكون القبول عن طريق الكتابة.

ومن المهم أن نُشير إلى أن الغاية من الكتابة لا تنحصر بإثبات حصول القبول، بل تتعدى ذلك لتؤدي دورا رئيسيا يتمثل بالإفصاح، وعلى ذلك فإننا لانتفق مع الرأي القائل بتفسير قصد المشرع من الكتابة أن المقصود بها هو الإثبات فقط[4]، حيث أن الكتابة هنا لم ترد منفردة ليتم دراستها كأي شرط وارد حول الكتابة في التشريعات والقوانين الأخرى. ومن خلال هذا الشرح السابق حول الوظيفة التي تؤديها الكتابة في قبول المحكم لمهمته، نستطيع القول بأن الكتابة هنا شرط لصحة تعيين المحكم وليست شرطا لإثبات قبوله.

وهذه الكتابة قد تتم بصور مختلفة: فقد ترد في نموذج خاص يقوم المحكم بتعبئته، بحيث يتضمن هذا النموذج جميع المسائل التي تطلب المشرع وجودها في خطاب القبول، وهذا الأسلوب هو المُتّبع لدى بعض مؤسسات التحكيم، كما قد تتم عن طريق خطاب يوجهه المحكم من تلقاء نفسه إلى الأطراف يتضمن الإشارة إلى قبول المحكم لمهمته التحكيمية مع الإفصاح المنصوص عليه، كما يذهب البعض أيضا إلى أن هذا القبول قد يكون من خلال اتفاق التحكيم ذاته.

وقبول المحكم لمهمة التحكيم يجب أن يكون منجزاً؛ بمعنى أن لايكون معلقاً على شرط، حيث أنه والحالة هذه لا يكون قبولاً بل يكون إيجاباً من قبل المحكم، وعلى من اختار هذا المحكم أن يُبدي موقفه تجاه هذا الإيجاب، إما بالقبول أو الرفض. ومثاله أن يقبل المحكم مهمته بشرط أن تكون أتعابه مقداراً معيناً، أو أن يتم احتساب هذه الأتعاب بطريقة معينة أيضاً، فهنا لا نكون بصدد قبول، وإنما إيجاب جديد يحتاج لقبول ممن وُجه إليه هذا الإيجاب.

وللقبول أهمية كبيرة أيضا من الجانب المنطقي، بمعنى أن المحكم بتنظيم المشرع لفكرة قبول المهمّة قد جعل هناك احتمالاً بعد القبول، فليس بالضرورة أن يقبل المحكّم عرض التعيين المقدم له من أحد طرفي النزاع، فقد يرى المحكّم المحتمل أنه غير قادرعلى أداء مهمته لأي سبب، وقد يرى أنه لا خبرة لديه بموضوع النزاع مثلاً، أو قد يرى بأن هناك سبباً من الأسباب التي قد تثير شكوكاً حول حياده واستقلاله، فيُؤثِر ابتداءً أن لا يقبل بالمهمة، وكذلك فقد يتنحى المحكم بعد أن يظهر له سبب من هذه الأسباب بعد أن يكون قد قبل بمهمته فعلاً، واكتمل تشكيل الهيئة وبدأت بنظر النزاع، فيتنحى إذا ظهر له مثل هذا السبب، مع الإشارة هنا إلى أنه لا يجوز للمحكم التنحي بدون سبب، لأنه متى ما قبل القيام بمهتمه قبولاً صحيحاً فإن عليه أن يستمر في القيام بمهمته حتى النهاية، لما لذلك من ارتباط في مصالح الاطراف وحقوقهم المالية، ومسألة سريّة التحكيم التي لا يريد أطراف النزاع أن يزداد المطلعون على موضوع نزاعهم فيها، وغيرها من المسائل الأخرى التي تستوجب استمرار المحكم في مهمته متى ما قبل القيام بها قبولاً صحيحاً. أما التنحي غير المبُرر فقد يُرتب التزاماً بمسؤولية المحكم تجاه الاطراف إذا كان للتعويض مقتضى، ولعل هذه المسألة تحتاج إلى بحثٍ مطوّل لا يتسع له مجال شرحنا المختصر في هذا العمل.

إن إلتزام المحكّم بالإفصاح يعدّ مسألة ضرورية للمحافظة على الانطباع المطلوب من الأطراف بخصوص استقلاله وحياده. لأنه من خلال الإفصاح فقط عن جميع الظروف التي يمكن أن تثير شكوكا حول حيدة المحكم واستقلاله يتمكن المحتكمون من معرفة تلك الظروف ومن التقرير عندها، وبناء على تلك المعلومات فيما إذا أرادوا الاعتراض على المحكم المرشح أو المختار أو التنازل عن الاعتراض معتبرين أن تلك الظروف المفصح عنها لن تؤثر في رأيهم في استقلال المحكم المعني أو حياده. كما أن تنفيذ التزام المحكم بالإفصاح لا يحقق مصالح الأطراف فقط بل يحقق مصالح المحكم أيضا إذ أنه يحميه من طلب رده مستقبلا للأسباب التي أفصح عنها.

واستقلال المحكم يعني: إنقطاع صلة التبعية بين المحكم وبين أيٍ من الخصوم في الدعوى التحكيمية و/أو وكلائهم بصورة تمنع تأثيرهم على صدور قرار المحكم بشكلٍ نزيهٍ وعادل. ويُعدّ الإستقلال مسـألة موضوعية يمكن ملاحظتها وقياسها، بحيث أن مفوم الإستقلال نسبيّ ومرن. بمعنى أن ما يمكن اعتباره انحيازاً في واقعة تحكيمية ما لا يعدّ كذلك في واقعة أخرى، فالمحكمة تبحث في كل واقعة من هذا النوع على حِدة بحيث لا يكون لعلاقة معينة مثلاً ذات الحكم في جميع الوقائع التي تعرض على المحكمة.

أما الحياد (Impartiality) فهو “أمر نفسي يتعلق بذات المحكم، ويجعله يمسك بميزان العدل للطرفين على نحوٍ موضوعيٍ مجرد، دون محاباة لأحد الطرفين على حساب الآخر. ويُعدّ الحياد والحالة هذه مسألة نفسيّة وذاتيّة لايمكن ملاحظتها وقياسها إلا بوجود عناصر خارجية تدلّ عليه، ينحاز معها المحكم للحكم لأحد الطرفين دون الآخر، والحياد هنا يتعلق بموضوع النزاع أكثر من تعلّقه بالأطراف، وإن كانت النتيجة واحدة في الميل عن العدالة.

ولعلّ من مقتضيات الإلتزام بكلٍ من شرطي الإستقلال والحياد، أن يمتنع المحكم عن الإتصال مع طرفي النزاع ومناقشتهم في موضوع النزاع بأيّ صورة من الصور، وإن كان لديه ما يود الإستفسار عنه أو الإستيضاح حوله فيمكنه الطلب من رئيس هيئة التحكيم القيام بذلك من خلال عقد جلسات بوجود الطرفين، أو قيام رئيس هيئة التحكيم بمخاطبة الطرفين بالوسائل المتفق عليها، وذلك حتى يزيل أيّ شكٍ أو ريبةٍ من الممكن نشوئها من هكذا تواصل، ولكن يجب عدم التزمّت في الأخذ بهذه النقطة بصورةٍ قد تؤدي إلى سلوك طرقٍ قانونيةٍ لا داعي لها، كتقديم طلب رد على كل تحية يلقيها المحكم على أحد الأطراف.

ولعلّ خطورة موضوعي الحياد والإستقلال دفعتنا للحديث عنهما بهذا الإسهاب، والنتيجة التي يؤدي إليها كل ماسبق هو ضرورة أن يقوم المحكم بقبول مهمته كتابةً، بالصورة المشار إليها، والأهمّ من ذلك أن يقوم بالإفصاح عن عناصر الإستقلال والحياد أنّى وُجدت لديه، بل ومن مقتضياتهما أن يقوم المحكم بإزالة أيّ توقعاتٍ تمسّ استقلاله أو حياده بمواجهة الأطراف، وأن تكون عدالته ونزاهة شخصه أهم لديه من توليه المهمّة التحكيمية، بل إن قيامه بالإفصاح سيعزز ثقة الأطراف بعدالته، وتبقى مسألة قبول قيامه بالمهمة التحكيمية من حق الخصوم كونهم هم من اختار اللجوء للتحكيم، ويكون الفيصل فيما بينه وبينهم هو المحكمة المختصة في حال تقديم طلب برده لتوافر أي سبب من الأسباب التي تمسّ حياده واستقلاله.

بقي أن نقول بأن عنصري الإستقلال والحياد مقرران لمصلحة الخصوم، وليسا متعلقين بالنظام العام، فيجب على من يدعيه اختلال أي منهما أن يتمسك بهذا الإختلال، ويدفع بوجوده بالطرق المتاحة قانوناً وإلا كان سُكوته ومضي المدد القانونية المتعلقة بالرد دليلاً على قبوله به، بمعنى أن إغفال التقدم بطلب الرد في المدة القانونية المحددة لذلك يؤدي لسقوط الحق فيه.

 

[1] – سنفرد مقالةً منفصلة للحديث فقط عن الطبيعة القانونية لمهمة المحكم والنظريات الفقهية التي قالت بكل رأي (هناك من أخذ بالنظرية القضائية، وهناك من قال بالنظرية العقدية، وهناك من خرج بنظرية مختلطة بين النظريتين)، وذلك للأهمية والآثار المترتبة على كل نظرية.

[2] – يقابل هذا النص نص المادة 16/1 من قانون التحكيم المصري، بينما نجد قانون اليونسترال النموذجي لم ينص على أي شروط في نصوصه، وربما كان هذا هو الحل الأفضل نظراً للاختلافات على المستويات الإقليمية في تبني شروط لمثل هذه المسألة.

[3] – الجمّال، مصطفى وعبدالعال، عكاشة، 1998،التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية والداخلية، دون ناشر ودون مكان نشر، ص605. ويرى المؤلفان أن هناك جانباً من الفقه لا يجد ما يمنع من أن يكون الشخص المعنوي محكماً يتولى العملية أعضاؤه وتصدر قراراتهم باسمه، ويكون هذا الشخص المعنوي هو المسؤول عن حكم التحكيم. وتظهر وجاهة هذه الفكرة من جانب أن المحكمين في هذه الحالة يكونون متمتعين باستقلال تام عن أطراف الخصومة.

[4] – والي، فتحي، 2007، قانون التحكيم في النظرية والتطبيق، منشأة المعارف، الإسكندرية، الطبعة الأولى، ص 226 وكذلك د.الجمال، مصطفى و د.عبدالعال، عكاشة، مرجع سابق، ص593 وما بعدها. د.الصانوري، مهند، دور المحكم في مهمة التحكيم الدولي الخاص، دار الثقافة ، عمان ، 2005 ، ص 68 . وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا المذهب باعتبار الكتابة في قبول مهمة التحكيم شرطا للإثبات لا غير قد جاء في الجانب الغالب منه نتيجة تناقل المراجع المختلفة لموقف لمحكمة النقض المصرية في عام 1973 في قرار لها يحمل الرقم 489 بتاريخ 24/2/1973، ومن هنا يظهر عدم الاخذ بهذا الرأي في خصوص قبول المحكم على ضوء قانون التحكيم كون القرار المستند إليه قد جاء في ضوء نصوص قواعد التحكيم الملغاة الواردة في قانون المرافعات  وليس استنادا إلى نصوص قانون التحكيم المعمول به في مصر في الوقت الحالي ( قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 ) ورأيي هذا جاء على الرغم من أن نص المادة(503/3 من قانون المرافعات الملغاة ) كان يتطلب أن يكون قبول المحكم لمهمته كتابةً . وأوضحت المحكمة في قرارها ان الكتابة شرط لإثبات قبول المهمة وليست ركنا لانعقاد مشارطة التحكيم.( مشار لحيثيات هذا الحكم لدى: النمر، أبو العلا و الجداوي، د. أحمد، 2002، المحكمون: دراسة تحليلية لإعداد المحكم ، دار أبو المجد للطباعة ، القاهرة،ص100)  وهذا التبرير لعدم اعتبار الكتابة ركنا لانعقاد مشارطة التحكيم يدفعني للتمسك بشكل أكبر بوجهة نظري من أن الكتابة شرط انعقاد وليست شرط اثبات، حيث أن العلاقة التي اعتبرت الكتابة شرطا لانعقادها ليست مشارطة التحكيم كما يشير القرار بل لانعقاد العلاقة بين المحكم والجهة التي عيّنته بصورة يثبت أثرها في قيامه بمهمته التحكيمية ويتم من خلالها اكتمال تشكيل هيئة التحكيم بشكل صحيح. وقد تم الحديث عن طبيعة هذه العلاقة في المبحث التمهيدي من هذه الدراسة.

مصنف تحت: قانون التحكيم

عدد التعليقات : 6 | أكتب تعليقك

  • المحامي يوسف مومني
    الأحد 8 يونيو 2014 | الساعة 10:38 مساءً

    استاذ مصعب الله يعطيك العافيه

    مقالة رائعة تحتوي على الكثير من المعلومات الخاصة بشخص المحكم والشروط التي يجب ان تتوافر به

    استاذ مصعب لدي بعض الاسئلة اود الاستفسار عنها ان تفضلت

    1- هل يمكن الرجوع على المحكم قانوناً ومطالبته بالتعويض في حال تبين فيما بعد بأن له علاقة بأحد الأطراف بعد افصاحه كتابتاً بأن ليس له اي علاقة بأي من الاطراف تؤثر في تأديته لمهمته كمحكم او انه كان غير حيادياً ؟
    2- ام انه في حال صدور الحكم من هيئة التحكيم يمكن الطعن به امام محكمة الاستئناف بأن المحكم كان غير حيادي وكان له علاقة بأحد الاطراف ولم يفصح عنها ولا مسؤولية على المحكم ؟
    3- وما مصير اتعاب المحكم المقبوضه في حال تبين بأنه على علاقة مع احد الاطراف تمنعه توثر في استقلاله وحياديته ؟

  • الإثنين 9 يونيو 2014 | الساعة 12:25 صباحًا

    الله يعافيك يا صديقي … شاكر لمرورك
    بصراحة أستاذ يوسف أسألتك غاية في الأهمية .. وبصراحة أكبر هذه التساؤلات لا يكفي فقط أن تكون مجرد مقالة .. بل تصلح لأن تكون موضوعاً لرسالة ماجستير .. وفي حدود علمي أن الزميل القاضي عامر النوايسة قد كان محور تساؤلاتك موضوعاً لرسالته في الماجستير في جامعة مؤته وأشرف عليه فيها أستاذنا الدكتور الفاضل مصلح الطراونة .. وتم نشر جزء منها كبحثٍ محكم اشترك فيه بالإضافة لأستاذنا مصلح الطراونة وعامر بك النوايسة الدكتور جورج حزبون من الجامعة الأردنية … سأحاول في مقالات لاحقة الإجابة على شيء من هذه التساؤلات القيّمة …
    أشكرك مرورك الغني يا صاحبي

  • وائل منير الشلودي
    الإثنين 9 يونيو 2014 | الساعة 4:30 مساءً

    اولا كل التقدير والإحترام لك استاذ مصعب على هذا المقال
    افضل ما في المقال الشرح المبسط و العبارات الدقيقة
    واكثر ما اثار انتباهي وفادني هو شرط الكتابه وشرحك عنه بأنه شرط صحة تعين محكم وليس شرط لاثبات قبولة ،ورغم اني لست خبيرا في مجال التحكيم لكن اتفق معك فيما ذهبت إليه
    مع الإحترام والتقدير

  • الثلاثاء 10 يونيو 2014 | الساعة 12:54 مساءً

    كل الاحترام والشكر على مرورك استاذ وائل … وأتمنى أن تقدم لك هذه المقالة والمقالات الأخرى ما يكون مرضياً وكافياً من مفاتيح للمعلومات حول التحكيم

  • Shrouq
    الخميس 27 سبتمبر 2018 | الساعة 11:06 مساءً

    يعطيك العافيه استاذ
    هل يشترط في رئيس هيئة التحكيم شروط معنية ؟
    وهل يشترط حضور محامي عن أطراف النزاع امام هيئة التحكيم
    وهل يشترط حصول المحامي على شهادة بدورة تحكيم او الانتساب الى المحكمين ليعين محكم

  • الأربعاء 3 أكتوبر 2018 | الساعة 4:01 مساءً

    أهلا بك .. الله يعافيك
    1. الشروط الواجب توافرها في المحكم والواردة في قانون التحكيم في المادة 15 تتحدث عن الشروط العامة فيمن يتولى منصة القضاء من حيث الشق المرتبط بالعدالة (أن لا يكون محروماُ من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه بجناية أو بجنحة مخلة بالشرف او بسبب شهر افلاسه {{ولو رد اليه اعتباره}} ) ففي القضاء نحديداً لا يكون الشخص صالحاً لتولي منصة القضاء ولو رد إليه اعتباره، وذات الشيء اشترط في التحيكم. ومن باب أولى وكما ورد في المادة نفسها من قانون التحكيم أن لا يكون قاصراً أو محجوراً عليه. كذلك نجد قانون التحكيم في ذات المادة في الفقرة ج منها اشترط في المحكم الحياد والاستقلال عن الاطراف وعن موضوع النزاع أيضاً، ومؤخراً قام المشرع بتعديل النص لحل إشكال في النص القديم واشترط بقاء هذا الاستفلال والحياد طوال مدة تظر النزاع التحكيمي، في حين كان النص السابق يشترطها عند قبول المحكم لمهمته. أخيراً هناك شروط متعلقة بإرادة الأطراف واتفاقهم على أي شروط أخرى مهما كان نوعها. وبالتالي فلم يشترط المشرع الأردني في المحكم أيّة شروط تتعلق بالمستوى العلمي أو التخصص أو الكفاءة.

    2. لم يشترط نص قانون التحكيم أن يتم تمثيل الأطراف من خلال محامين، بل إن النص في قانون التحكيم يجيز مثول الأطراف أو من يمثلهم، وفي الشق المتعلق بمن يمثلهم فقد استقر الاجتهاد على أنه يجب أن يكون محامياُ استناداً إلى تفسير نص المادة 41 من قانون نقابة المحامين وضلك قبل عام 2014، أما بعد تعديلات قانون نقابة المحامين 2014 فقد أصبح النص صريحاً على أن المثول أمام هيئات التحكيم بكل الحالات لا يكون إلا من خلال محامين يمثلون الأطراف، وقد صدر الشهر الماضي قرار تميزي يفيد بذلك صراحةً أيضاً على عدم مثول الأطراف إلا من خلال محامين أمام هيئات التحكيم.

    3. السؤال الثالث يعيدنا إلى السؤال الأول في شروط المحكم؛ القانون لم يشترط أي نوع من الدورات أو المهارات الخاصة لجواز التعيين محكماً وإنما الموضوع مرتبط بإرادة الأطراف. هناك دورات تعقد ويتم منح شهادات وألقاب ليست شرطاً بل ولا يمكن الاحتجاج بها للاستدلال على الصلاحية. لا شروط خلاف ما ذكره النص.
    مسألة مهمة هنا أنه وعلى الرغم من أن التعيين لا يحتاج إلى شروط معينة لكن على الشخص عند قبوله لمهمة التحكيم أخلاقياً ومهنياً أن يكون لديه الإلمام في المسائل الموضوعية والإجرائية حفاظاً على حقوق الاخرين واحتراماً لنفسه في هذا الصدد. هناك في الأردن جمعية المحكمين الأردنيين وهي جمعية اختيارية لا تمنح صفة خاصة لكنها قد تجعل الشخص المنتسب قريباً من بعض المهتمين والعاملين في مسائل تخص التحكيم.


أكتب تعليقك