الإثنين 2 يونيو 2014
لا تعليقات

طرق اختيار المحكمين وأسس اختيارهم

    إن اللجوء إلى التحكيم هو سلوك اتفاقي من حيث الأصل [1] يتم اختياره بناءً على إرادة الأطراف الحرة حيث أنه من غير المستساغ حرمان أي شخص من اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، أما اختياره اللجوء إلى وسيلة حل منازعات أخرى يجيزها القانون فهو مسألة تدخل ضمن صلاحيته وحريته في الاختيار. وفي حال اختار الأطراف اللجوء للتحكيم كوسيلة لـ فض النزاعات فإن من أهم النتائج المترتبة على ذلك والتي ينبغي أن يتفق الطرفان على مضمونها اختيار هيئة التحكيم التي ستتولى نظر النزاع القائم بينهما؛ فقد يتفق الطرفان على اختيار محكم منفرد لينظر هذا النزاع ويفصل فيه وقد يتفقان على عدد معين من المحكمين أو قد يختلفان في عدد أعضاء هذه الهيئة فيكون الحكم في هذه الحالة للنص الذي تولى تحديد عدد أعضاء هيئة التحكيم في حالة عدم الاتفاق عليهم وعلى عددهم، فنجد أن المشرع الأردني قد عالج هذه المسألة في نص المادة 14 من قانون التحكيم الأردني رقم 31 لسنة 2001، والتي جاء فيها:

“أ- تشكل هيئة التحكيم باتفاق الطرفين من محكم واحد أو أكثر فإذا لم يتفقا على عدد المحكمين كان العدد ثلاث.

ب- إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وترا وإلا كان التحكيم باطلا.”[2]

      من خلال النص السابق يتضح لنا أن المشرع قد منح الأطراف صلاحية واسعة في اختيار أعضاء هيئة التحكيم بناءً على اتفاقهم وكذلك في تحديد عدد هؤلاء المحكمين، فنص المشرع الأردني على أن للأطراف الاتفاق على أن يتم التحكيم عن طريق محكم منفرد أو أكثر من محكم على أن يكون ذلك باتفاق الأطراف من حيث الأساس، و صياغة النص على هذا النحو يؤدي كما يرى البعض [3] إلى نتيجة مفادها أن الأصل هو المحكم المنفرد، والتعدد هو خروج على هذا الأصل حتى وإن كان الواقع العملي يظهر أن التعدد هو الأغلب وقوعا.

     وقد أثيرت مسألة المفاضلة بين اختيار محكم منفرد أو اختيار أكثر من محكم، حيث تم تحديد عدة نقاط كمزايا للتحكيم المنفرد منها أن اختيار المحكم المنفرد يحقق توفيرا للنفقات وقد يكون أقدر على الفصل في النزاع منفردا إذا تم النظر إلى زيادة قدرته على تحديد أوقات الجلسات وأوقات التدقيق في نظر النزاع الذي قد يعرقل سرعته تعدد المحكمين وخصوصاً إذا تم الأخذ بعين الاعتبار تخصصيته وإلمامه في موضوع النزاع و قواعد التحكيم [4].

     بينما وفي الجانب الآخر يتم الاحتجاج بعدة مسائل لتفضيل تعدد المحكمين ومنه أن وجود أكثر من محكم فيه تحقيق أكبر للضمانة المقررة لفحص النزاع وحيدة القرار الذي يصدر فيه، كون وجود أكثر من محكم يعني تعدد الخبرات وتعدد وجهات النظر التي يوفر اجتماعها قرارا أكثر نضجاً.

    ومن وجهة نظري أرى أن الحكم على العموم بتفضيل نوع على آخر فيه شيء من عدم الدقة، حيث ان هناك انواع نزاع معينة يمكن لمحكم منفرد أن ينظر النزاع فيها ويؤدي الغرض بمزايا أفضل من تلك التي تتوافر عند تعدد المحكمين في مثل هذا النوع من النزاعات، بينما هناك نزاعات تتطلب أن يتعدد المحكمون فيها، على أنني في عموم الفكرة أغلّب تعدد المحكمين على المحكم المنفرد.

     بقي أن نشير في الحديث عن نص المادة 14 في فقرتها الثانية أن المشرع قد رتّب البطلان على كون عدد المحكمين زوجياً، فنلاحظ ان المشرع قد جعل النص مطلقاً بقوله “يكون التحكيم باطلاً” ولم يحدد هل هذا البطلان ينصرف فقط إلى اتفاق التحكيم أم إنه يشمل كافة إجراءات ومراحل العملية التحكيمية بما فيها القرار الصادر ولم يبين كذلك هل أن البطلان بطلان مطلق أم نسبي؟ وفي هذا أقول أن هذا البطلان هو بطلان مطلق متعلق بالنظام العام[5] ولا يجوز للاطراف التراضي على إسقاطه، وذلك أن النص جاء مطلقا و “المطلق يجري على إطلاقه مالم يرد نص يفيد التقييد” وينصرف البطلان هنا إلى حكم التحكيم وليس إلى اتفاق التحكيم وذلك على ضوء نص المادة 14 من قانون التحكيم. وخصوصاً حين نعلم أن المشرع بهذا النص قد ألغى حكم النص القديم الذي كان يجيز أن يكون عدد المحكمين زوجياً.

ولكن يجب التوقف هنا عند نقطة مهمة تتمثل في سؤال يجب أن نتطرق له ألا وهو (هل يمكن تصحيح هذا الإتفاق قبل أو أثناء إجراءات التحكيم؟؟؟)
لم أجد بحدود إطلاعي المتوضع فقهياً معالجة صارمة لهذه المسألة، وإن كان هناك من يرى[6] بجواز أن يتم تصحيح هذا التعيين المخالف لمبدأ الوترية استنادا لحكم نص المادة 16 من قانون التحكيم بقيام المحكمة بتعيين المحكم الثالث، وكذلك يمكن لنا القول بإن أطراف التحكيم يملكون الاتفاق على تصحيح هذه المخالفة قبل انتهاء إجراءات التحكيم؛ فإذا كانت هذه الإجراءات لم تبدأ بعد فيمكن لهم وببساطة -لتعلق الأمر ببطلان الإجراءات- أن يتفقوا على تعيين محكم ثالث من خلال الطريق المحددة في القانون بأن يختاره المحكمان المعينان من قبلهما أو اللجوء إلى المحكمة في حال عدم اتفاقهما -كما سنبيّن ذلك تفصيلاً في مقالة قادمة- وهنا يجب أن نقول أيضاً أن اطلاع ووعي المحكمان المعينان وإلمامهما بقانون التحكيم يقتضي منهما عدم السير بإجراءات التحكيم ما لم يبيّنا للأطراف هذا الخلل وضرورة معالجته.

ومن الضروري أيضاً القول أنه وفي حال السير بإجراءات التحكيم بهيئة مشكلة من محكمان فقط وتصحيح هذا الخلل بعد ذلك يفرض عليهما إعادة الإجراءات التي تمت ضمن تشكيلٍ مختلّ وغير متوافق مع القانون حتى يصار فيما بعد لإصدار قرارٍ سليم من هذا الجانب.

     وتعد مخالفة مبدأ وترية العدد المنصوص عليها في المادة 14/2 من المخالفات التي يصلح النعي بها على حكم التحكيم بالبطلان سندا لنص المادة 49/5 من قانون التحكيم الأردني التي جعلت من الاسباب الحصرية لقبول دعوى البطلان “إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف لهذا القانون ولاتفاق الطرفين” وإن مخالفة مبدأ الوترية تشكّل مخالفة لتشكيل هيئة التحكيم وهذا البطلان ولتعلقه بالنظام العام فإنه مما لا يجوز معه الاحتجاج باستمرار الأطراف في إجراءات التحكيم أو عدم إثارتهم لهذه المخالفة، مما يعني أنه لا مكان للاحتجاج بما جاء في نص المادة السابعة من قانون التحكيم لدرء البطلان عن حكم التحكيم الصادر عن هيئة غير وترية العدد[7].

ونشير هنا إلى أن بعض التشريعات تذهب إلى اعتبار أطراف العلاقة ملزمين ابتداءً بتحديد الطريقة التي يتم من خلالها اختيار المحكمين، بحيث يصل الأمر إلى اعتبار الاتفاق على التحكيم باطلا إذا لم يتم تحديد مثل هذه المسألة فيه، ومن أمثلتها اشتراط قانون المرافعات الفرنسي تحديد أسماء المحكمين أو طريقة اختيارهم في شرط التحكيم مما يدخل الأطراف في مسألة بطلان شرط التحكيم الخالي من مثل هذا التحديد. بينما نجد العديد من التشريعات الأخرى تخلو من اشتراط مثل هذا التحديد [8].
كان هذا التقديم ضرورياً لأي شخص يريد الخوض في تفاصيل طرق اختيار المحكمين، وستكون المقالة القادمة -إن شاء الله – في تفصيل هذه الطرق، وفي الإجابة عن بعض التساؤلات ذات العلاقة.
 


[1] – إن من المسائل الجوهرية في التحكيم هي كونه اتفاقيا، وقد عبّرت بعض التشريعات عن هذه الصبغة الاتفاقية للتحكيم صراحة ، فنجد أن المشرع المصري وفي المادة الرابعة من قانون التحكيم المصري في فقرتها الأولى قد نص على أن “ينصرف لفظ التحكيم في حكم هذا القانون إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة، سواء كانت الجهة التي تتولى إجراءات التحكيم ،بمقتضى إرادة الطرفين ، منظمة أو مركز دائم للتحكيم أو لم يكن كذلك “. وهنا لا نتفق مع من يقول من الفقهاء بوجود ما يسمى (تحكيم إجباري)، فالصور الواردة في هذا الصدد (كتحكيم الأسواق المالية وغيرها ) لا يعتبره جانب كبير من الفقه من قبيل التحكيم وإن حمل اسم التحكيم بل لا يعدو أن يكون وسيلة فض منازعات معدة سلفا بموجب القانون لا يمكن للأطراف استبعاد هذه الآلية وبذلك لا يكون تحكيما بالمعنى الفني الدقيق، وحتى لا نخرج عن موضوع البحث نكتفي بالإشارة إلى الطبيعة الاتفاقية للتحكيم دون الخوض في تفصيلات المسألة، ويمكن الاستزادة في الموضوع بشكل مفصل وممتع لدى الأستاذة الدكتورة حداد، حفيظة السيد،2007، الموجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي ، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ص 53 وما بعدها.

[2] – يقابل هذا النص في تحديد عدد المحكمين نص المادة العاشرة من قانون الأونيسترال النموذجي في التحكيم الصادر عن لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي والتي جاء فيها “1- للطرفين حرية اختيار عدد المحكمين. 2- فإذا لم يفعلا ذلك كان العدد ثلاثة.” وكذلك فإن المادة الحادية عشرة من نفس القانون في فقرتها الثانية قد نصت على أنه “للطرفين حرية الاتفاق على الإجراء الواجب اتباعه في تعيين المحكّم أو المحكّمين…” ومن التشريعات ما جعلت عدم الاتفاق على عدد المحكمين يعني أن التحكيم يتم عن طريق محكم واحد. ومثاله قانون التحكيم الإنجليزي لعام 1996 في المادة 15/3 منه. وهذا الحكم الأخير بكون عدم الاتفاق يجعل التحكيم يتم عبر محكم واحد منفرد هو حكم نص قانون التحكيم الاردني الملغي في المادة (5/1/2) منه.

[3] – سلامة، أحمد عبدالكريم، 2006، التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، ص 260. وكذلك الربضي، نجم رياض، 2003، ضمانات أطراف التحكيم في العلاقات الدولية الخاصة، كلية الحقوق – جامعة عين شمس، القاهرة، ص88. وكذلك المصري، حسني،2006، التحكيم التجاري الدولي، دار الكتب القانونية، مصر، ص191 وما بعدها.

[4] – د.الربضي، نجم رياض، مرجع سابق، ص 89.

[5] – د.الطراونة، مصلح أحمد، 2010، الرقابة القضائية على الأحكام التحكيمية، دار وائل للطباعة والنشر، عمان، ص230 وما بعدها. وكذلك: د.الجمال، مصطفى ود.عبدالعال، عكاشة، 1998،التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية والداخلية، دون ناشر ودون مكان نشر، ص576 وكذلك: د.القاضي، خالد محمد، 2002، موسوعة التحكيم التجاري الدولي، دار الشروق، القاهرة، ص206.

[6] – الربضي، نجم رياض، مرجع سابق، ص 91. وكذلك : د.الجمال، مصطفى و د.عبدالعال، عكاشة، مرجع سابق، ص 579.

[7] – تنص المادة السابعة من قانون التحكيم الاردني على أنه ” إذا استمر أحد طرفي النزاع في اجراءات التحكيم مع علمه بوقوع مخالفة لشرط في اتفاق التحكيم او لحكم من أحكام هذا القانون مما يجوز الاتفاق على مخالفته ولم يقدم اعتراضا على هذه المخالفة في الموعد المتفق عليه او في وقت معقول عند عدم الاتفاق، يعتبر ذلك نزولا منه عن حقه في الاعتراض” وهذه المخالفة في وترية العدد ليست مما يجوز الاتفاق على مخالفته فلا ينطبق عليها حكم هذا النص . أنظر في تفصيل ذلك : د.الطراونة، مصلح أحمد، مرجع سابق ، ص231 وما بعدها.

[8] - أنظر في هذا الخصوص :  د.المصري، حسني،2006، مرجع سابق، ص194. وكذلك : د.خالد، هشام، 2008،تكوين المحكمة التحكيمية في منازعات التجارة الدولية، منشأة المعارف، الإسكندرية، المجلد الأول ص 82 وما بعدها.

مصنف تحت: قانون التحكيم

أكتب تعليقك