الخميس 5 يونيو 2014
عدد التعليقات : 1

تعيين هيئة التحكيم قضائياً

إن كان الأصل كما سبق وأشرنا بان اختيار هيئة التحكيم يواكب الطبيعة الاتفاقية للتحكيم بكونه اتفاقياً، إلا أن هذه الحالة لا تتوفر دائما بهذه الصورة السلسة، حيث أنه يحدث أن يمتنع أحد الطرفين عن تعيين محكمه ، أو أن يختلف المحكمان المعينان على تعيين المحكم الثالث، وحتى لا تقع فكرة التحكيم في مأزق هنا فإن المشرع قد عالج نشوء مثل هذه الحالات بأن حدد الوسيلة التي يتم اللجوء إليها عند غياب أو تعذر الاتفاق. فجاء نص المادة 16 من قانون التحكيم الأردني ليعالج هذه الحالات بالتفصيل[1]. فوفقاً لقانون التحكيم الأردني فإن محكمة الاستئناف التي تتم في دائرتها إجراءات التحكيم [2] تتولى النظر في كافة الطلبات التي تثار بشأن تعيين هيئة التحكيم لكونها المحكمة المختصة وفقاً للتعريف الوارد في المادة 2 من قانون التحكيم الأردني.

     إن نص المادة 16 من قانون التحكيم الاردني وفي بندها الأول من الفقرة (أ) – تقابلها المادة 17 من قانون التحكيم المصري – تعطي المحكمة الدور بتعيين المحكم المنفرد عند عدم الاتفاق على تسميته، وهذا يقتضي بالضرورة أن يكون هناك اتفاق بين الأطراف على إحالة النزاع إلى محكم منفرد، حيث أنه وفي غياب مثل هذا التحديد للمحكم المنفرد فقد جاء النص صريحاً على أن العدد في مثل هذه الصورة يكون ثلاثة محكمين. وصلاحية المحكمة هنا في التعيين متوقفة على طلب أحد أطراف النزاع، فلا تستطيع المحكمة من تلقاء نفسها أن تقوم بهذا التعيين.

     أما البند الثاني من فقرة هذا النص – المادة 16 من قانون التحكيم – الأولى فقد تناولت البحث في الحالتين اللتين يتعدد فيهما المحكمون إما باتفاق الأطراف على أن يكون المحكمون متعددين وإما بعدم اتفاقهم على أن النزاع يحال إلى محكم منفرد ، وفي كلتا الحالتين يقوم كل طرف بتسمية محكّم من قبله وتتولى المحكمة سدّ هذا الثغر في حال عدم قيام أحد الطرفين بدوره في تسمية محكمه، ومن ثم يعود دور المحكمة من جديد في حال عدم اتفاق المحكمين المعينين على تسمية المحكم الثالث. وفي خصوص طلب تعيين المحكم عند عدم اتفاق المحكَّمين المعينَين بتعيين المحكم الثالث ، فمثل هذا الطلب يقدمه أطراف النزاع ولا يقدمه أي من المحكمان المعينان، فهما منعدما الصفة و المصلحة في تقديم مثل هذا الطلب[3]، وهذان الشرطان ركنان أساسيان في قبول الدعاوى حين نعتبر الطلب نوع من أنواع الدعاوى. ويكون بالضرورة للمحكم الثالث الذي يختاره الأطراف أو المحكمان المعينان أو الذي تتولى تعينه المحكمه كمحكم ثالث يكون له رئاسة هيئة التحكيم[4]. وهنا عندما تؤدي المحكمة المختصة دورها في تعيين المحكمين فإن عليها أن تراعي في تعيينهم الشروط التي يتطلبها القانون في المحكمين حتى لا يؤدي هذا التعيين منذ بدايته إلى خلق إشكال لدى الأطراف حول هذا التعيين، وفي الواقع العملي نجد أن المحاكم في الآونة الأخيرة أصبحت تطلب من المحكم كتاب قبول لمهمته التحكيمية بصورة تتفق مع ما يشترطه قانون التحكيم وبالتحديد المادة 15 منه.

     بقي في النص السابق أن نشير إلى أن المشرع في الفقرة الأخيرة من النص حاول أن يواكب عنصر السرعة الذي يعدّ من المزايا الأساسية التي يوفرها التحكيم وذلك من خلال مسألتين: الاولى أنه نص على  أن المحكمة “… تصدر قرارها باختيار المحكم على وجه السرعة …” والثانية أنه جعل قرار تعيين المحكم غير قابل للطعن به بأي طريقة “.. .لا يكون هذا القرار قابلا للطعن فيه بأي من طرق الطعن “.

       ونسجل  على هذا النص حول المسألة الأولى – سرعة التعيين – أنها على الرغم من أنها تطلب أن يصدر قرار تعيين المحكم على وجه السرعة إلا ان استخدام المشرع لهذه الصيغة جاءت عامة جدا، بحيث لا يوجد معيار يضبط هذه السرعة وخصوصا إذا ما قورنت هذه السرعة ببطئ سير الدعاوى العادية أمام القضاء.

       فكان على المشرع من وجهة نظري ان يحدد سقفاً زمنياً لصدور قرار المحكمة بتعيين المحكّم وذلك لحثّ المحاكم على إصدار قرارتها بصورة لا تعرقل سير العملية التحكيمية، ولا يغير من رأيي هذا القول بأن تحديد السقف الزمني قد يخلق إشكالا إذا تأخر صدور مثل هذا القرار عن هذا الميعاد، ذلك أنه ليس بالضرورة أن يؤدي تجاوز هذا الميعاد إلى إنقضاء ولاية المحكمة على إصدار هذا القرار، بل يكون دور هذا التحديد لغايات ضبط الأمور والمحاولة في حثّ عجلة التعيين للإسراع، وخصوصاً على ضوء بطئ هذا التعيين في الواقع العملي الذي يصل أحيانا الوقت اللازم للتعيين فيه إلى مدة سنة أو أكثر. وخير مثال أستشهد به على وجهة النظر هذه هو نص المادة 137 من قانون العمل الأردني[5] التي استعملت صيغة الاستعجال فيما يخص الدعاوى العمالية وحددت بنفس الوقت سقفا زمنيا هو ثلاثة أشهر للفصل في الدعوى العمالية، وبالرغم من وجود هذا النص وعدم ترتيب المشرع البطلان على تجاوز هذه المدة فإن الواقع العملي يشهد تأخر الفصل في الدعاوى العمالية في المحاكم بما يزيد عن هذه المدة، ولكن وجود هذا النص يحثّ القضاة فعليا على أن يسرعوا في البت في مثل هذا النوع من الدعاوى.

       أما المسألة الثانية حول عدم جواز الطعن في قرار تعيين المحكم [6] فإنه أيضا يوفر عامل السرعة في سير النزاع التحكيمي، ولعل عدم جواز الطعن هنا يحتاج إلى تبرير أكثر من مجرد سعي المشرع إلى تحقيق السرعة، وهذا التبرير يظهر عندي من جانبين: الأول أن محكمة الاستئناف يقتصر دورها على تعيين المحكم فقط دون التطرق لأي مسألة من مسائل الموضوع المتعلقة بالنزاع ولذلك فإنه من غير المبرر في ضوء هذه الفكرة أن تستمر جلسات تعيين المحكم أمام المحكمة المختصة لمدة طويلة وخصوصاً أن المحكمة المختصة تقوم بتعيين المحكّم على ضوء طلب طرف من أطراف النزاع دون أن تبحث في مدى صحة لجوئه للتحكيم أو مدى صحة شرط التحكيم من عدمه. وهذا الدور الأخير يقودوني إلى الجانب الآخر الذي يمنع الطعن بقرار تعيين المحكم هو أن هذا القرار لا يعدو أن يكون عملاً من أعمال الإدارة القضائية وليس فصلاً في نزاع، وبالتالي فإنه لا مكان لمنح هذا العمل الإداري ما للأحكام القضائية الموضوعية من ضمانات خصوصا في ظل إمكانية الاعتراض فيما بعد أمام هيئة التحكيم على مدى اختصاصها بالفصل في موضوع النزاع وفي مدى صحة شرط التحكيم [7] وأيضا أمكانية التمسك بهذا السبب بعد صدور القرار القضائي كسبب من أسباب دعوى البطلان على أساس التشكيل غير الصحيح لهيئة التحكيم.

       وقد صدرت قرارات قضائية عن محكمة التمييز تؤكد أن دور محكمة الاستئناف في تعيين المحكم هو عمل من أعمال الإدارة القضائية وبالتالي لا يؤدي بالضرورة إلى صحة اللجوء للتحكيم أو إلى أن هذا التعيين موافق للقانون . وقد جاء في قرار محكمة التمييز الأردنية الموقرة رقم (4253/2005) يفيد بهذا القول، حيث جاء فيه ” … إن قرار محكمة الاستئناف المتضمن تعيين محكمين ليس حكماً قضائياً … و لا يخضع لنظام الأحكام لأنه لا يوجد نزاع ولا خصومة يصدر فيها حكم … وأن قرار تعيين المحكّم من قبل محكمة الاستئناف لا يعتبر حكماً قضائياً، إنما هو عمل من أعمال الإدار القضائية ولا يخضع لنظام الأحكام، وبالتالي يعتبر حكماً قطعياً لا يجوز المساس به والخروج عما ورد فيه ….”.

     وأخيراً أشير إلى فكرة مفادها أن صلاحية محكمة الاستئناف تقتصر فقط على تعيين المحكم بالقانون أما المحكم المصالح أو المفوض بالصلح فإنه لا يجوز أن تتولى محكمة الاستئناف تعيينه[8]، ذلك أن اختيار مثل هذا المحكم مبني على مجموعة من الضوابط القائمة على اعتبارات شخصية في المحكم واعتبارات أرتأى الطرفان أنها تحقق مصالحهم في المحكم المصالح أكثر منها في المحكم بالقانون.

وبهذه المقالة نكون قد تحدثنا عن الطريقة الثانية من طرق تعيين المحكمين الواردة في قانون التحكيم الأردني، وسنتحدث في المقالة القادمة -إن شاء الله- عن الطريقة الثالثة والأخيرة الواردة في قانون التحكيم الأردني.



[1] – تنص المادة 16 على ما يلي :

 أ- لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكمين وعلى كيفية وتاريخ اختيارهم فإذا لم يتفقا على ذلك تتبع الإجراءات التالية:

1-       إذا كانت هيئة التحكيم تتكون من محكم واحد تتولى المحكمة المختصة تعيينه بناء على طلب أحد الطرفين.

2-       إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين يعين كل طرف محكما ويتفق المحكمان المعينان على تعيين المحكم الثالث، فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه خلال الخمسة عشر يوما التالية لتسلمه طلبا بذلك من الطرف الآخر، أو إذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث خلال الخمسة عشر يوما التالية لتاريخ تعيين آخرهما، تتولى المحكمة المختصة تعيينه بناء على طلب أي من الطرفين، وتكون رئاسة هيئة التحكيم للمحكم الذي اختاره المحكمان المعينان أو الذي عينته المحكمة.

3-       تتبع الإجراءات المذكورة في البند (2) من هذه الفقرة إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من أكثر من ثلاثة محكمين.

ب- واذا خالف احد الطرفين إجراءات اختيار المحكمين التي اتفقا عليها، أو لم يتفقا على كيفية القيام بتلك الاجراءات، أو لم يتفق المحكمان المعينان على أمرٍ مما يجب الاتفاق عليه، أو إذا تخلف الغير عن أداء ما عُهد به اليه في هذا الشأن، تتولى المحكمة المختصة بناءً على طلب أي من الطرفين القيام بالإجراء أو بالعمل المطلوب.

ج- تراعي المحكمة في المحكم الذي تختاره الشروط التي يتطلبها هذا القانون وتلك التي اتفق عليها الطرفان، وتصدر قرارها باختيار المحكم على وجه السرعة، ولا يكون هذا القرار قابلا للطعن فيه بأي من طرق الطعن.

وهنا أسجل نقداً بسيطاً على نص البند الثالث من الفقرة (أ)، حيث أنه من وجهة نظري بحاجة لإعادة صياغة بسيطة بسب إشكال في صياغتها قد يثور عند قراءة النص لأول مرة، فهذا البند يتحدث عن الحالات الاخرى التي يزيد عدد المحكمين فيها عن ثلاثة محكمين ليشير بأنه يطبق عليها ذات الأحكام التي تطبق على الهيئة المشكلة من ثلاثة محكمين والتي عالجها النص في البند الثاني، ولكن الصياغة الحالية قد يُفهم منها أن هذه الفقرة تحمل تناقضاً للفقرة السابقة بحيث أن الفقرة الثانية لا تطبق إلا إذا كانت الهيئة أكثر من ثلاثة محكمين وهذا مالم يقصده النص ، لذلك فإنني أقترح إعادة صياغة النص بحيث يتجنب فيه المشرع هذه الإشكالية وأقدم صياغة مقترحة بحيث يصبح النص (3- و  تتبع الإجراءات المذكورة في البند (2) من هذه الفقرة أيضاً إذا كانت هيئة التحكيم مشكّلة من أكثر من ثلاثة محكمين).

[2] – تختص محكمة الاستئناف التي يقع في دائرتها التحكيم بنظر المسائل المتعلقة بالنزاع التي يجعلها المشرع مختصة فيها، وذلك بموجب المادة 2 من قانون التحكيم الأردني. أما المشرع المصري فقد فرق بين التحكيم الداخلي ، الذي جعل المحاكم المختصة فيه المحاكم المختصة أصلاً بنظر النزاع، وبين التحكيم الدولي الذي جعل الاختصاص فيه لمحكمة استئناف القاهرة. ولعل المشرع الأردني كان موفقاً أكثر بتضييق دائرة المحكمة المختصة إلى الحد الذي يحول دون خلق إشكال جديد حول تحديد المحكمة المختصة، بل وذهب أكثر من ذلك حين جعل محكمة الاستئناف المختصة هي المحكمة التي تجري في دائرة اختصاصها إجراءات التحكيم، دون النظر إلى وسائل تحديد المحكمة المختصة المتعلقة بموضوع ومكان تنفيذ العقد أو غيرها من وسائل التحديد. وهذا خلافاً لما هو عليه الحال لدى المشرع المصري.

[3] – سلامة، أحمد عبدالكريم، 2006، التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، ص375.

[4] – الربضي، نجم رياض، 2003، ضمانات أطراف التحكيم في العلاقات الدولية الخاصة، كلية الحقوق – جامعة عين شمس، القاهرة، ص109. ولعل جعل رئاسة هيئة التحكيم للمحكم الثالث فيه تحقيق لعدم مسائل منها أن هذا المحكم سيكون أكثر حياداً كونه لم يتم تعيينه من أحد الأطراف بشكل منفرد وكذلك فإن فيه احترام لحقوق المساوة بين طرفي النزاع بأن يترأس الهيئة المحكم الثالث.

[5] – تنص المادة 137/أ من قانون العمل الأردني رقم 8 لسنة 1996 على أنه ” تختص محكمة الصلح بالنظر، بصفة مستعجلة، في الدعاوى الناشئة عن نزاعات العمل الفردية باستثناء الدعاوى المتعلقة بالأجور في المناطق المشكّل فيها سلطة للأجور بمقتضى أحكام هذا القانون ، على أن يتم الفصل فيها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ ورودها للمحكمة.”

[6] – و الطعن في هذا القرار غير جائز بأي صورة وهذا ما أكد عليه قرار محكمة التمييز الموقرة عند نظرها لطعن مقدم في للنعي على قرار محكمة الاستئناف في خصوص تعيين المحكمين يحمل الرقم (1934/2006) والذي جاء فيه ” .. مما يبنى عليه أن القرار الذي تصدره محكمة الاستئناف بتعيين محكم يكون قرارا قطعيا ولا يقبل التمييز سواء بإذن أو بدون إذن، مما يجعل هذا التمييز مستوجب الرد شكلا”.

[7] – سنتحدث في مقالة لاحقة عما يسميه الفقه التحكيمي (( مبدأ الاختصاص بالاختصاص )) والذي مفاده اختصاراً صلاحية هيئة التحكيم للبت في كون مختصةً أم لا في الفصل بالنزاع التحكيمي، ولعل في هذه الفكرة ما يحتاج إلى التوسع والتفصيل فيه حيث أن البعض قد يستهجن الفكرة لتصورٍ مبدأي أن الهيئة لا يجوز لها أن تكون خصماً وحكماً في ذات الوقت، إلا أن التفصيل في ذلك سيُجلي هذا الإلتباس، حيث سيتبين أن هناك مبررات منطقية وقانونية لمنح مثل هذا الاختصاص لهيئة التحكيم دون القضاء النظامي في مرحلة إجراءات التحكيم.

[8] – د.يوسف، سحر عبدالستار، 2006، المركز القانوني للمحكم، دار النهضة العربية، القاهرة، ص83. حيث تثير الدكتورة سحر يوسف هذه الفكرة في ضوء قانون المرافعات الملغي الذي كان يضع قواعدا خاصة لتحكم تعيين واختيار المحكم المصالح لا يتسع الأمر فيها إلى السماح للمحكمة المختصة بأن تتولى هذا التعيين، ولا أرى هنا ما يمنع من تبني ذات الفكرة في ضوء قانون التحكيم الحالي.

مصنف تحت: قانون التحكيم

عدد التعليقات : 1 | أكتب تعليقك

  • الخميس 5 يونيو 2014 | الساعة 11:44 صباحًا

    جميلة معلومة أن تعيين محكمة الاستئناف للمحكم ليس حكما قضائيا !!
    كل الموفقية :)


أكتب تعليقك